استخراج معانى الآيات.. مع ما صح عند المفسر واختاره من روايات للاستشهاد بها، وكان من هؤلاء الذين نحوا هذا المنحى المعتزلة.. لكنهم تغالوا فى الاعتماد على الرأى، حتى أنزلوا القرآن على مذهبهم الاعتزالى، واشتطوا فى التأويل.. فمنهم من عنى بإعراب القرآن واستخراج معانيه عن هذا الطريق كالزجاج «القرن الثالث الهجرى» صاحب كتاب «معانى القرآن وإعرابه» (١).
ومنهم من عنى بالوجه البلاغى للقرآن، فبنى تفسيره على هذا الاتجاه مثل «تفسير الكشاف» لجار الله محمود بن عمر الزمخشرى (٤٦٧ - ٥٣٨)..
منتصرا لمذهبه المعتزلى حين تجىء مناسبة..
وكان هؤلاء يعيبون على أهل التفسير بالمأثور اعتمادهم على روايات غير صحيحة، وساعدهم على هذا القول ما اعتمده البخارى من أحاديث قليلة فى تفسير القرآن، حيث قال هؤلاء: إن ما عدا هذا مما ذكره المفسرون، واعتدوا به فى التفسير، غير صحيح، وشوشوا عليهم وجرحوهم.. حتى لنجد المعتزلى الكبير إبراهيم النظام يقول:
«لا تستر سلوا إلى كثير من المفسرين، وإن نصبوا أنفسهم للعامة، وأجابوا فى كل مسألة، فإن كثيرا منهم يقول بغير رواية على غير أساس، وكلما كان المفسر أغرب عندهم. كان أحب إليهم، وليكن عندكم عكرمة، والكلبى، والسدى، والضحاك، ومقاتل بن سليمان، وأبو بكر الأصم فى سبيل واحدة، فكيف أثق بتفسيرهم، وأسكن إلى صوابهم؟» ولا شك أنه كان لمذهب الاعتزال أثر فى هذه النظرة.. ومن هنا انصرف المعتزلة إلى كتابة تفسير لا يعتمد على هذه الروايات، وإن شايعهم فى ذلك العقلانيون من غير المعتزلة دون طعن على السابقين، فوجدنا كتبا فى التفسير لا تعتمد على الرواية اعتمادها على العلوم العقلية كالنحو والبلاغة والعلوم التى اكتسبها المسلمون من آثار ترجمة الكتب اليونانية الفلسفية وغيرها..

(١) شرح وحققه الدكتور عبد الجليل شلبى، وطبع تحت إشراف الأزهر.. على نفقة الشيخ خليفة بن زائد ولى عهد الإمارات.


الصفحة التالية
Icon