وشعرهم، وأبو بكر كان متورعا وقافا عند ما يؤثر عن الرسول حتى أنه عارض فى كتابة القرآن أولا، ثم اقتنع بكتابته.. فالخلاف الذى نشأ قديما بين المدرستين، كان خلافا بين زمنين، أو فى الحقيقة- إن شئنا الدقة- لم يكن خلافا جوهريا، بقدر ما هو خلاف شكلى، بدليل أننا يمكننا- بل رأينا مفسرين- أمكنهم الجمع بين الطريقتين أو بين الحسنيين.. وأما الأحاديث التى رويت فى النهى عن التفسير بالرأى فمطعون فيها وإن كان السابقون قد أخذوا بها، لكن الظاهر والمفهوم بداهة، أن المراد بالرأى الوارد ذمه فى الحديث لو اعتمدناه، إنما هو الهوى الذى لا يعتمد على أساس، والذى يخرج القرآن عن معناه الأصيل وعن هدفه.. كما يحصل من تأويلات فاسدة، أو بعيدة كل البعد، يلجأ إليها أصحاب الهوى لخدمة أغراضهم، أو أغراض الذين يتزلفون إليهم..
أما القول بالرأى: فى حدود اللغة والقواعد العامة، والنصوص الأخرى، فلا يمكن أن يكون محل تهديد من الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا لو كان محل هذا التهديد من الرسول، لعنى ﷺ بتفسير كل آية وكل كلمة، حتى لا يترك مجالا لرأى من الآراء، والرسول لم يؤثر عنه ذلك..
وكيف وقد أمرنا الله بتدبره فى قوله تعالى «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ» (١)
وقوله تعالى أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ٢٤ (٢)
وقوله إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٣ (٣)
وقوله فى ختام آيات كثيرة تعرض مظاهر خلق الله:
«إن فى ذلك لآيات للمؤمنين، أو لقوم يتفكرون، أو يتذكرون..

(١) ص/ ٢٩.
(٢) محمد/ ٢٤.
(٣) الزخرف/ ٢.


الصفحة التالية
Icon