وهذه كلها تأمر بالتدبر والفهم لما يعرضه القرآن، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالبحث العقلى دون انتظار لحديث يروى، وأين هذه الأحاديث؟
إن هذا الاتجاه وهذا التوقف فى تفسير الآية على حديث من الرسول، فى أمور غير غيبية، لا يمكن أن يكون الباعث عليه إلا مجرد الورع والخوف من الوقوع فى قول خطأ، يتحمل مسئوليته ومسئولية من يقتدى به طول الزمن..
وإلا فلا يجوز أبدا أن يكون منهجا لفهم القرآن، وإلا كنا قد حسبناه فى قمقم، وحجزنا هديه عن الناس ومنعنا تدبره، ومعرفة ما يشير إليه من أسرار.
. فيها الهدى للناس، ولا يمكن أن نقول فى تفسير كتفسير الإمام الطبرى ورأيه فى الآية، إن الطبرى لم يستعمل رأيه فى فهم الآية ونحمد الله على أن هذا الرأى لم يسيطر على علماء المسلمين جميعهم، بل قام أفذاذ العلماء برده والتخلص منه، وأقبلوا على تفسير القرآن بما منحهم الله من عقل وفهم ورأى، ولم يغفلوا مع ذلك ما ورد من روايات صحيحة، وكانوا حائزين لكل الشروط، أو متسلحين بكل الأسلحة التى يجب أن يتسلح بها كل من يريد التفسير: من علوم اللغة والبلاغة، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وأصول الفقه وما ورد من أحاديث صحيحة، ولا سيما فى آيات الأحكام، وآيات الغيب، ومن أسباب النزول، مع ذوق يعينه على استشفاف المعانى. ومع تجنب شد الآيات وليّها نحو رأيه ومذهبه وهواه..
فترك هؤلاء العلماء لنا كثيرا من التفاسير التى عرضوا فيها آراءهم وفهومهم للقرآن، وما يتصل به من علوم ومعارف، مع اسهاب، أو توسط، أو اختصار، فكان لنا من ذلك كله ذخيرة ضخمة، ووردا يقصده كل طالب علم.. وما يزال القرآن مقصد العقول والهمم، يتناولونه بالتفسير من خلال ما وهبهم الله من فهم له وتدبر لآياته.. ليس هناك ما يصد عن هذا المورد العذب، إلا سوء الفهم أو سوء القصد، أو تحميل للألفاظ ما لا تحتمله، وخروج بها عن الظاهر إلى معان باطنية بعيدة، وجعلها رموزا لأشياء يعرفونها هم.. كما حصل من كثير من الباطنية والمغرقين من الصوفية، وكما


الصفحة التالية
Icon