حاجته؛ فذلك ما لا تجده على أتمّه إلا في القرآن الكريم. فهو قرآن واحد.. يراه البلغاء أو فى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم..
لا يلتوي على أفهامهم، ولا يحتاجون فيه إلى ترجمان وراء وضع اللغة.. فهو متعة العامة والخاصة على السواء، ميسّر لكل من أراد: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [سورة القمر: ١٧].
إقناع العقل وإمتاع العاطفة:
وفي النفس الإنسانية قوتان: قوة تفكير، وقوة وجدان. وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة أختها. فأما إحداهما؛ فتنقب عن الحق لمعرفته، وعن الخير للعمل به. وأما الأخرى؛ فتسجل إحساسها بما في الأشياء من لذة وألم. والبيان التام هو الذي يوفّي لك هاتين الحاجتين، ويطير إلى نفسك بهذين الجناحين، فيؤتيها حظّها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معا.
فهل رأيت هذا التمام في كلام الناس؟
لقد عرفنا كلام العلماء والحكماء، وعرفنا كلام الأدباء والشعراء.. فما وجدنا من هؤلاء ولا هؤلاء إلا غلوّا في جانب، وقصورا في جانب! فأما الحكماء.. فإنما يؤدون إليك ثمار عقولهم غذاء لعقلك، ولا تتوجه نفوسهم إلى استهواء نفسك واختلاب عاطفتك، فتراهم حين يقدّمون إليك حقائق العلوم لا يأبهون لما فيها من جفاف وعري ونبوّ عن الطباع.
وأما الشعراء.. فإنما يسعون إلى استثارة وجدانك، وتحريك أوتار الشعور من نفسك، فلا يبالون بما صوّروه لك أن يكون غيّا أو رشدا، وأن يكون حقيقة أو تخيلا.. فتراهم جادّين وهم هازلون.. يستبكون وإن كانوا لا يبكون، ويطربون وإن كانوا لا يطربون! وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ