فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ [سورة الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٦].
وكل امرئ حين يفكر فإنما هو فيلسوف صغير. وكل امرئ حين يحس ويشعر فإنما هو شاعر صغير. فسل علماء النفس: هل رأيتم أحدا تتكافأ فيه قوة التفكير وقوة الوجدان وسائر القوى النفسية على سواء؟ ولو مالت هذه القوى إلى شيء من التعادل عند قليل من الناس.. فهل ترونها تعمل في النفس دفعة وبنسبة واحدة؟ يجيبوك بلسان واحد: كلا. بل لا تعمل إلا مناوبة في حال بعد حال. وكلما تسلطت واحدة منهن؛ اضمحلت الأخرى وكاد ينمحي أثرها.
فالذي ينهمك في التفكير تتناقص قوة وجدانه، والذي يقع تحت تأثير لذة أو ألم يضعف تفكيره. وهكذا.. لا تقصد النفس الإنسانية إلى هاتين الغايتين قصدا واحدا، وإلا؛ لكانت مقبلة مدبرة معا! وصدق الله: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [سورة الأحزاب: ٤].
فكيف تطمع من إنسان في أن يهب لك هاتين الطّلبتين على سواء، وهو لم يجمعهما في نفسه على سواء؟!
وما كلام المتكلم إلا صورة الحال الغالبة عليه من بين تلك الأحوال.
هذا مقياس تستطيع أن تتبين به في كل لسان وقلم أي القوتين كان خاضعا لها حين قال أو كتب.. فإذا رأيته يتجه إلى تقرير حقيقة نظرية أو وصف طريقة عملية؛ قلت: هذا ثمرة الفكرة. وإذا رأيته يعمد إلى تحريض النفس أو تنفيرها، وقبضها وبسطها، واستثارة كوامن لذاتها أو ألمها؛ قلت: هذا ثمرة العاطفة. وإذا رأيته قد انتقل من أحد هذين الضربين إلى الآخر، فتفرّغ له بعد ما قضى وطره


الصفحة التالية
Icon