من سابقه- كما ينتقل من غرض إلى غرض- عرفت بذلك تعاقب التفكير والشعور على نفسه.
وأما أن أسلوبا واحدا يتجه اتجاها واحدا، ويجمع في يديك هذين الطرفين معا.. كما يحمل الغصن الواحد من الشجرة أوراقا وأزهارا وأثمارا معا، أو كما يسري الروح في الجسد، والماء في العود الأخضر؛ فذلك ما لم تظفر به في كلام البشر، ولا هو من سنن الله في النفس الإنسانية.
فمن لك إذن بهذا الكلام الواحد الذي يجيء من الحقيقة البرهانية الصارمة بما يرضي حتى أولئك الفلاسفة المتعمقين، ومن المتعة الوجدانية الطيبة بما يرضي حتى هؤلاء الشعراء المرحين؟
ذلك.. الله رب العالمين. فهو الذي لا يشغله شأن عن شأن، وهو القادر على أن يخاطب العقل والقلب معا بلسان، وأن يمزج الحق والجمال معا.. يلتقيان ولا يبغيان، وأن يخرج من بينهما شرابا خالصا سائغا للشاربين.
وهذا هو ما تجده في كتابه الكريم حيثما توجهت..
ألا تراه في فسحة قصصه وأخباره لا ينسى حق العقل من حكمة وعبرة؟!
أولا تراه في معمعة براهينه وأحكامه لا ينسى حظّ القلب من تشويق وترقيق، وتحذير وتنفير، وتهويل وتعجيب، وتبكيت وتأنيب.. يبث ذلك في مطالع آياته ومقاطعها وتضاعيفها؟!.. تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [سورة الزمر: ٢٣]، إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) [سورة الطارق: ١٣ - ١٤] " (١).