والآن.. نعود إلى أصل مسألتنا (أعنى اتباع معهود العرب في تلقى الخطاب)..
وفي بيان ذلك يقول الشاطبي:" إنه لا بدّ في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين؛ وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم" (١).
ويقول الإمام الشافعي في هذا أيضا:" إنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيه" (٢).
ومن الضروري في تحديد معهود الخطاب معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها المصاحبة لنزول القرآن الكريم؛ إذ إنّ كثيرا من الألفاظ إذا أريد تفسيرها بمجرد لغة العرب من غير الرجوع إلى هذه العادات توقع المفسّر أو المستنبط للقرآن الكريم في الغلط والجهل.
يقول الشاطبي:" لا بد لمن أراد الخوض في علم القرآن والسنة من معرفة عادات العرب في أقوالها، ومجاري عاداتها حالة التنزيل من عند الله والبيان من رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الجهل بها موقع في الشّبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة" (٣).
ومن ذلك قوله تعالى في بيانه الإلهي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً [سورة آل عمران: ١٣٠].. فإن ظاهر الآية يوهم تقييد الربا المحرم بها إذا كان أضعافا مضاعفة؛ لكن إذا علم أن الغالب من عادات العرب
(٢) الرسالة، ص ٥١.
(٣) الموافقات، ٣/ ٣٥١.