ويجيب كذلك عن هذه المغالطة السيوطي- رحمه الله- بقوله:" إنّ القرآن إنما نزل بلسان عربي، في زمن أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه.
أما دقائق باطنه؛ فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر، مع سؤالهم النبي ﷺ في الأكثر، كسؤالهم لمّا نزل قوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [سورة الأنعام: ٨٢]، فقالوا: وأيّنا لم يظلم نفسه؟! ففسره النبي ﷺ بالشرك، واستدل عليه بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان: ١٣]، وكسؤال عائشة إياه عن الحساب اليسير فقال:" ذلك العرض"، وكقصة عدي بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود، وغير ذلك مما سأل عنه آحاد منهم. ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه، وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر؛ لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم، فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير".. ثم يقول:" وأما القرآن.. فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا أن يسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك متعذر، إلا في آيات قلائل، فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل" (١).
أما المغالطة الثانية؛ فمؤداها: الدعوة إلى عزل الاستخدام اللغوي القرآني عن المعهود من لغة العرب، وعن السنّة النبوية كذلك، وتبني المعهود الغريب والحديث ونقله في فهم القرآن الكريم (٢).
والجواب: لا يخفى أن القرآن الكريم بيان الله لمراده التشريعي، نزل بلسان عربي مبين- على ما سبق- ولما كانت المعاني المودعة في البيان القرآني ذات
(٢) انظر: العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، محمد أبو القاسم حاج حمد، ١/ ٦٥.