وليست القرائن الدالة على هذا كلها في القرآن، بل أكثرها قرائن خارجية مستوحاة من أسباب النزول، ومقتضيات الأحوال (١).
وتوضيح هذا الذي يقوله الشاطبي يتجلى في أن كلا من علم المعاني والبيان موضوعة مسائلهما للاقتدار على معرفة معاني القرآن، والاستشراف على مقاصده، فضلا عن معرفة كلام العرب، والوقوف على أغراضها في مخاطباتها.
وإنما كان علم المعاني والبيان بهذه المثابة؛ لأن فقه مسائلهما يدل على الأسباب التي تجعل الكلام مطابقا لمقتضى الحال.
ومطابقة الكلام لمقتضى الحال هو" البلاغة". ومن ثمّ.. فلا يفهم الكلام الذي يجيء على نهج البلاغة إلا بمعرفة الحال التي صدر كلام البليغ قاصدا لمطابقتها، وذلك.. أن الكلام يكون واحدا، ثم يختلف باختلاف الخطاب المستعمل فيه، وباختلاف المتكلم، وباختلاف السامع كذلك.
فمعرفة مقتضيات الأحوال أمر لا بدّ منه في معرفة معاني القرآن العظيم المعجز، وإدراك مقاصده البعيدة. وما أسباب النزول إلا إعلام بالحال والمناسبة التي نزلت فيها الآيات الكريمة، فهي كاشفة لمعاني القرآن، معينة على بيان مقاصده، وصحة دلالته، وتفهّم أسرار بلاغته.
الأمر الثاني- وهو مبني على الأول: أن الجهل بأسباب النزول موقع في الجهل بمعاني القرآن، ومؤدّ إلى الشّبه والخلاف في معناه (٢).
(٢) الموافقات، ٣/ ٣٤٨.