" التشريع القرآني" وخلود أحكامه، وذلك منذ طوى التاريخ صفحة أسباب النزول من الوجود..
أقول: كل ذلك زور من القول قد استوفينا الرد عليه في كتابنا:" أسباب النزول: تحديد مفاهيم، ورد شبهات".
كما أنبّه إلى أن الأصل في الصيغ التي يفيد ظاهرها العموم" التعميم"؛ إذ ذلك هو المتبادر من الصيغة عند الإطلاق والتجرد عن القرينة، فما زلنا نعلم بالبداهة أن الصيغ العامة والمطلقة (عن قيود الزمان والمكان والأحوال والأشخاص) لا تصلح للدلالة على أكثر من المعنى الذي وضعت له، ولا سلطان للعصور أو الظروف في تغيير شيء من قانون هذه الدلالة أو تضييق شيء من عمومها.
فالأسباب- كما قلنا- تعين على حسن تفهّم الآيات التي نزلت مقترنة بها، من غير أن تكون ذات سلطان على دلالته العامة، فتحدّها وتمنع امتدادها؛ إذ وظيفة السبب- كما قلنا- وظيفة كشف وإبانة عن حركة المعنى في النظم، وهادية لمسالك الفهم، وليست مانعة طلاقة المعنى، وشمول سلطانه على ما يستحدث.
فالقول بحصر الدلالة فيما جاءت به أسباب النزول وأد لدلالة النص، وهي دعوى يتسلل منها إلى بيان أن نصوص القرآن لا تتجاوز دلالتها زمن الوحي. وهذا ما نبّه إليه الأصوليون وعلماء القرآن من أن" العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".. فاحذر ما يقوله ملاحدة هذا العصر، عبيد يهود، من أن ارتباط الآيات بأسباب نزولها يرفع عنا التكليف بما فيها.