الخرق، فقال:" خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء"، وأنه مر بشاة ميتة فقال:
" أيما إهاب دبغ؛ فقد طهر".. فهل العبرة في هذا وأمثاله بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟ هذا هو قطع المسألة في الأصول.
وقد فرضوا في هذا الشق الأخير خلافا بين الجمهور القائلين باعتبار عموم اللفظ، وبين الشافعي القائل- فيما زعموا- باعتبار خصوص السبب (١).
والواقع كما يقول الأستاذ المحقق الشيخ عبد الله دراز أنه لم يصح عن الشافعي، ولا عن أحد من الأئمة، القول بقصر العمومات على أشخاص أسبابها. وإن روي ذلك عن بعض أصحاب الشافعي؛ فلعله لم يثبت عنهم أيضا.
فقد نص الشافعي في" الأم" على أن السبب لا يصنع شيئا، إنما تصنعه الألفاظ..
فهذا صريح في موافقة الشافعي للجمهور. على أننا إذا رجعنا إلى أنفسنا وسمعنا سؤالا خاصّا يقابله جواب عام، ونظرنا في حكمة هذا التفاوت بين السؤال والجواب؛ فإننا ندرك على البديهة المغزى الذي يقصده المجيب من تعبيره باللفظ العام في هذا المقام، وهو أنه أراد تعدية حكمه إلى أفراد أخرى غير شخص السبب. وإلا.. فلماذا عدل عن صيغة الخصوص، وهي تقضي ظاهر الحال ومطلوب السائل، مع قربها واختصارها، إلى هذه العبارة الكلية وإلى هذا التطويل بغير طائل؟!

(١) الإحكام للآمدي، ٢/ ٣٤٧، وشرح العضد، ٢/ ١١، وكتابنا أسباب النزول، ص ٦١ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon