ولو افترضنا العبارتين سواء في كلام عامة الناس؛ فكيف يكونان سواء في البلاغة القرآنية والفصاحة النبوية؟! لست أدري كيف يختلف في هذا أحد من أهل العربية، فضلا عن إمام كالشافعي؟!
هكذا يتفق الكل على أن النص العام الوارد على سبب لا يجوز الوقوف به عند أخص الخاص- وهو شخص سببه- بل يجب تعميمه البتة إلى نوع ذلك السبب، بحيث إذا دل
دليل على إخراج بعض ذلك العام عن قصد المتكلم؛ فلا يكون ذلك البعض هو شخص السبب ولا نوعه القريب. فالشافعي وإن عمد إلى بعض العمومات الواردة على سبب، فخصصها مراعاة لأسبابها، لم يقل بحصرها في الحادثة العينية أو الشخص المعين الذي وردت فيه حتى تتوجه عليه الحجة بإجماع الأئمة على تعدية الأحكام لغير أسبابها. فهو مثلا في حديث" الماء طهور" لم يقصره على ماء تلك البئر التي سيق الحديث من أجلها، ولم يجعله قاصرا على ماء الآبار، بل جعله عامّا في كل ماء كثير، واستثنى منه الماء اليسير.
وكذلك فعل في حديث" أيما إهاب دبغ فقد طهر".. لم يجعله خاصّا بجلد شاة ميمونة، ولا بنوع جلود الأغنام، وإنما استثنى منه جلد الكلب ونحوه.
بل نقول: إن الكل متفقون أيضا على الطرف الآخر من المسألة. إنهم متفقون على أن النص العام الوارد على سبب لا يجب الذهاب به دائما إلى أعم معانيه، حتى التي لا تشبه السبب في مناط حكمه، وهذا أبو حنيفة (وهو في مقدمة القائلين باعتبار عموم اللفظ) قد عمد إلى حديث:" الولد للفراش"، فلم يجعله عامّا كلّ فراش، بل جعله خاصّا بالزوجة وأم الولد، وما ذلك إلا أنه راعى سبب الحديث وهو وليدة زمعة- أي أم ولده- فعدى حكمه إلى كل


الصفحة التالية
Icon