اللسان، فلا يقال: من دخل أكرمته إلا نفسي. وإنما ينبغي استثناء شيء يتوهم دخوله لو لم يستثن.
وكذلك نقول: إن لفظ" الناس" في المثال الثاني يعم كل من لقيت ومن لم تلق، وليس ذلك بمراد، وإنما يراد ما شأنه أن يتناوله الحكم المذكور عادة. ومن هنا كان قوله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها [سورة الأحقاف: ٢٥]، ليس مقصودا به أنها تدمر السموات والأرض والجبال، وإنما قصد ما شأنه أن تؤثر فيه الريح عادة كالحيوان والزرع، ولذلك قال بعدها: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [سورة الأحقاف: ٢٥].
قال الإمام الغزالي في قوله صلى الله عليه وسلم:" أيما إهاب دبغ فقد طهر": إنه لا يبعد أن يكون التعرض للدباغ نفسه مخرجا لجلود الكلاب ونحوها، بحيث لا تخطر بذهن المتكلم ولا السامع، وقد قال طائفة من أهل الأصول: إن ما لا يخطر ببال المتكلم إلا بالإخطار لا يحمل لفظه عليه عند التعميم.
- ومثال ما جرى فيه للشارع عرف خاص يقف به دون الأوضاع والاستعمالات اللغوية: ما ورد من عمومات الوعيد على الذنوب التي هي بمفردها دون الشرك، ولكنها في الأصل من مساوئ أعمال الكفار، وقبائح صفاتهم، فلما توعّد فاعلوها؛ لم يستثن منهم أحد اتّكالا على ما عرف من كليات الشرع القطعية أن كل ذنب دون الشرك لا بأس من مغفرته، كقوله تعالى خالِدِينَ فِيها أَبَداً [سورة التغابن: ٩]، ونحوها. فمن لم يعرف معهود الشارع ومقاصده حمل تلك العمومات على ظاهرها في المؤمنين وغيرهم، ومن


الصفحة التالية
Icon