هنا توقف مروان بن الحكم في قوله تعالى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا [سورة آل عمران: ١٨٨]، حتى سأل ابن عباس فقال له: ما لكم ولهذه الآية؟!.. إلى آخر القصة. وكذلك توقف الصحابة في آية الأنعام: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [سورة الأنعام: ٨٢] حتى فسرها لهم النبي ﷺ بأن" الظلم" هنا" الشرك". حتى إن الشاطبي نفسه أورد على هذا الترتيب إشكالا قويّا بما عرف عن السلف الصالح من أخذ العمومات على معنى أوسع من معهود اللسان والشريعة جميعا، وهم العارفون بلسان العرب، الواقفون على قواعد الشرع ومقاصده، وضرب لذلك أمثلة..
منها أن عمر بن الخطاب كان يتخذ الخشن من الطعام، فقيل له: لو اتخذت طعاما ألين من هذا! فقال: أخشى أن تعجل طيباتي.. يقول الله تعالى أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها [سورة الأحقاف: ٢٠]. وقال لبعض أصحابه وقد توسع في الإنفاق شيئا: أين تذهب بكم هذه الآية أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ، إلخ. ذلك مع أن الخطاب في الآية صريح في أنه موجه للكفار، حيث يقول: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ، وختام الآية لا يليق- بحسب قواعد الشرع- إلا بالكفار، حيث يقول:
فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ.