ومنها: أن معاوية رضي الله عنه لما سمع حديث المنفق ماله رياء، والمستشهد في الجهاد رياء، ومعلم الخير رياء، وأنهم هم أول من تسعّر بهم النار يوم القيامة؛ قال: صدق الله ورسوله.. مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها [سورة هود: ١٥]. فحمل القضية على عمومها حتى للمسلمين، مع مخالفة ذلك للقواعد الشرعية.
ومنها: أن الصحابة لما نزل وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [سورة البقرة: ٢٨٥] لم يقفوا بها عند نوع سببها من إبداء الشهادة وكتمانها، ولا عند جنسها القريب من إعلان الغرائم وإخفائها، بل حملوها على العموم (كل ما تحدثت به النفس مما يطاق، ومما لا يطاق)، ولذلك انزعجوا منها انزعاجا شديدا، مع أن من القواعد الكلية قوله تعالى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [سورة الحج: ٨٧]. وقد أقرّهم النبي ﷺ على ذلك حتى نزل قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [سورة البقرة: ٢٨٦].
ومنها: أن عامة العلماء استدلوا بآية: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة النساء: ١١٥] على أن الإجماع حجة وأن مخالفه عاص، مع أنها نازلة في المرتد عن دين الإسلام، وصدرها يدل على أنها في الكفار، لقوله: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى....