والجواب عن ذلك إجمالا: أن السلف- رضوان الله عليهم- لم يأخذوا هذه المعاني مأخذ المنصوص عليه الداخل تحت العمومات، بل فهموا- فهم الراسخين في العلم- أن ما لم يذكر من الآية مشترك مع المذكور فيها في وصف ما، فأجروها فيما لم تنزل فيه ولم يقصد منها، اعتبارا للشيء بما يجامعه أو يقاربه.
ذلك.. أن الله تعالى إنما ذكر الكفار في القرآن بأسوإ أعمالهم، والمؤمنين بأحسن أعمالهم ليعتبر أولو الأبصار وليجتهدوا في الفرار من مثل أعمال المسيئين، وفي اللحاق بدرجات المحسنين، سيرا على قدمي الخوف والرجاء.. غير آمنين من مكر الله ولا يائسين من رحمته، وهذا هو معنى قول العلماء: إن كل آية وردت في حق الكفار فإنها تجرّ بذيلها على عصاة المؤمنين.. فما أدقّ هذا التعبير! حيث قالوا" تجر بذيلها" ولم يقولوا: تطبق بنصها، وذلك لأن العقوبات فيها لا تنطبق بنصها على المؤمنين كما هي، وإنما يصيب العاصي طرف منها إن لم يعف الله عنه.
وإلى هذا المعنى- والله أعلم- كان قصد ابن عباس في إجابته مروان، حيث قال له: ما لك ولهذه الآية؟!... إلخ. كأنه يريد أن ما فيها من القطع بالعذاب واليأس من النجاة خاص بأهلها ومن يشبههم من الذين يفترون على الله الكذب ويكذبون بآياته. وهذا لا ينافي أن غيرهم ممن ألمّ بذنوبهم قد يصيبه العذاب أيضا، لكن إلى أجل محدود،
وإلى مفازة في النهاية (١).

(١) انظر: الموافقات، وحصاد قلم، د. محمد عبد الله دراز، ص ٩٠.


الصفحة التالية
Icon