تعرض له- بحكم الطّبع البشري- حتى تزول عنه؛ لأن رغبته في إنجاز الرسالة وإبلاغ الدعوة أقوى باعثا في نفسه من كل شيء" (١).
هذه إشارة لما يدل عليه اختلاف الصيغ الوضعية الإفرادية من زيادة المعاني.
وأما أثر اختلاف صور الجملة، وما نشأ عنه من المعاني الثانوية- وهو اصطلاح الشاطبي كما سبق- التي هي مناط البلاغة وأساس الإعجاز اللغوي..
فالقرآن مشحون من أوله لآخره بهذا العلم. من ذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة البقرة: ٣، ٤]، ثم قال- وهو موضع الشاهد-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ [سورة البقرة: ٦] بغير عطف. ثم نقارن: نظم هذه الآية بآية سورة لقمان: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة لقمان: ٥]، ثم قال- وهو موضع الشاهد-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [سورة لقمان: ٦] معطوفة بالواو.. فما سر الفرق بين موضع عدم العطف بالواو في سورة البقرة، وبين ذكره في آية سورة لقمان؟
والجواب- كما قال الأستاذ المحقق الشيخ عبد الله دراز: إن المقصود في الأساس في سورة" البقرة" هو بيان حال الكتاب، تقريرا لكونه يقينا لا شك فيه، وفي ضمن هذا البيان ذكر اتصاف الكفار بالإصرار على الكفر والضلال، بحيث لا يجدي فيهم الإنذار، ولا يستفيدون من الكتاب. فالآية تكميل لما قبلها، كأنها جزء منها، ولا

(١) مقدمة في علم أصول الفقه، ص ٣٦.


الصفحة التالية
Icon