يحسن العطف بين أجزاء الشيء الواحد.. فكان مقتضى البلاغة ترك العطف في هذا الموضع. أما بالنسبة لآية سورة لقمان؛ فالمقصود منها مع سابقتها أن الناس على قسمين:" مهتد هاد".. وهم الموصوفون بالهدى والفلاح، و" ضالّ مضلّ".. وهم المشترون لهو الحديث للإضلال عن سبيل الله. وبين القسمين- كما ترى- تضادّ ملحوظ.. فكانت صحة المناسبة أن يفصل بينهما بواو العطف (١).
ومن ذلك: الفرق بين قوله تعالى في سورة الشعراء: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [سورة الشعراء: ١٥٣، ١٥٤]، وبين الآية الأخرى من نفس السورة: قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [سورة الشعراء:
١٨٥، ١٨٦].. فالآية الأولى بدون ذكر الواو" ما أنت"، والثانية بالواو" وما أنت"..
فما الفرق؟
والجواب: أما حيث ذكر العطف؛ فالدلالة على أن كلا من التسحير والبشرية مناف للرسالة، فكلّ منهما زعم مستقل، فيناسب هذا الإيراد؛ أعني إيراد العطف بين الأمرين. وأما في آية" ما أنت"؛ فذلك لأنهم اعتبروا التسحير هو وحده المنافي للرسالة، وأكدوه بالبشرية، ولا يصح العطف بين هذا وهذا (٢).
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [سورة الأعراف: ٢٠١] فيسأل عن الفرق من الاستعمال بين: إيثار التذكر بصيغة الفعل الماضي" تذكروا"، والإتيان
(٢) انظر تعليقه أيضا، ٣/ ٣٨٧.