الشاطبي:" وهذا إن صح في النقل؛ فمشكل؛ لأن هذا النمط من التصرف لم يثبت في كلام العرب هكذا مطلقا" (١).
وتكلف بعض الناس؛ فجعلها دالة على مدة بقاء هذه الأمة. قال الشاطبي:" وهو قول يفتقر إلى إثبات أن العرب كانت تعهد في استعمالها الحروف المقطعة أن تدل بها على أعدادها، وربما لا يوجد مثل هذا لها البتة؛ وإنما كان أصله في اليهود" (٢).
كما زعم البعض أنها دالة على أمور وأحوال الدنيا والآخرة، وأنها مجمل كلّ مفصّل، وعنصر كلّ موجود. وهذا القول محال على دعوى الكشف والاطلاع. ويعقب الشاطبي على ذلك بأن:" دعوى الكشف ليس بدليل في الشريعة على حال، كما أنه لا يعدّ دليلا في غيرها" (٣).
وأظهر الأقوال عند الشاطبي في الأحرف المقطعة أنها أسرار لا يعلمها إلا الله.
قلت: زعمه أنها أسرار غير صحيح؛ إذ لا يجوز أن يكون في كتاب الله- بل في شرعه جميعا- ما لا يعرف مدلوله فلا يعقل إذن أن تكون هذه الحروف مما استأثر الله بعلم مدلوله- على ما طنطن به الكثيرون- فليست من المتشابه كما ذهب؛ إذ معناها- كما سبق- عين مسمياتها المعروفة؛ وأنها مسوقة لغرض التحدي، وأنها محكمة لاستعمالها فيما هي راجحة الدلالة عليه على ما هو التحقيق- كما ذكره الإمام الرازي- في أمر المحكم والمتشابه، من أن المحكم هو

(١) الموافقات، ٣/ ٣٩٦.
(٢) المرجع السابق، ٣/ ٣٩٦، ٣٩٧.
(٣) الموافقات، ٣/ ٣٦٧.


الصفحة التالية
Icon