عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال» (١).
وتضرب الأمثال لمن يبتغى هدى وصلاحا من الأمر، وعلاجا لكل داء، ومحاربة لكل ألوان الفساد التى تمزق المجتمع، وتهدد قيمه، وتبدد طاقاته.
وإذا نظرنا إلى طبيعة المثل فى البيان العربى، وجدنا له موردا ومضربا، فالمورد هو أساس المثل الذى قيل فيه، والحدث الذى ورد فيه، وأما المضرب فهو الذى يستشهد
به فيه من حال مماثلة فى كل وقت وعصر، وقد يكتفى القارئ بذلك المضرب، وقد يذهب الباحث وراء المضرب ليعرف مورد المثل وحقيقته، وهذا أمر مألوف فى الأمثال العربية وطبيعتها وتكوينها، يبحث عن الجذور والأصل؛ ليستطيع الربط بين المورد والمضرب.
ولكن أتقاس الآيات القرآنية بهذا المقياس؟! ليس من الصائب من الرأى أن نخضع ما ورد عن الله عز وجل لمقاييس من صنع البشر، فالكلام كلام الله خالق البشر، وما يصنعون من قول، ويزخرفون من حديث، ويدبجون من ألفاظ، على أن الأمثال العربية فى قمتها، وهى تلك الأمثال الحكمية أو الكامنة، كما يسميها السيوطى، قد تنوسى فيها المورد، ولم يعد الإنسان بحاجة إلى معرفة ذلك، فالمهم هو التطبيق، والنظير، والشبيه بالمثل فى حالته وصورته.
أنواع الأمثال:
سيكون عمادنا فى هذا المؤلف أن نعرض للأمثال القرآنية التى ضربها الله للناس فى مجالات مختلفة، عالجت وتعالج شئون الإنسان، والحياة التى يحياها، والعقيدة التى يؤمن بها، وكيف حققت هذه الأمثال نجاحها الباهر بأسلوبها القرآنى الأخاذ، وبذلك النمط الذى سيقت فيه للدلالة على صدق ما أخبرت به الآيات عن طريق الدليل، والحجة والبرهان، بالإضافة إلى ما تعطيه من قوة وتأثير فى الكلام، وإقناع بما تسوقه من أفكار، فكأنها تأتى بالشىء ودليله من واقع الحياة.
وإذا نظرنا إلى نماذج هذه الأمثال الفريدة فى صياغتها، رأينا أن سوقها بهذا الأسلوب فريد فى نوعه وطريقته، ويختلف عما عداه من الأساليب العربية المعهودة فى