وسوف نجعلها تحت عناوين أربعة، وإن كان بعضها يتداخل فى البعض الآخر.
أولا: آيات فى خلق الإنسان ونشأته.
ثانيا: آيات فى إمداده بما يحتاج إليه من رزق وطعام.
ثالثا: آيات فى بعض مظاهر الكون.
رابعا: آيات فى مظاهر التدبير الإلهى فى أحوال الإنسان الخاصة.
ثم بعد ذلك نذكر ما سبق به العلامة ابن رشد من الكشف عن المنهج القرآنى الذى سلكناه واخترناه، وهاك التفصيل:
أولا: خلق الإنسان:
الإنسان آدم أبو البشر، أول موجود على ظهر البسيطة، وأول نبى نزل عليه الوحى، كان خلقه من تراب، ولا يغيب عن البال ما قدمناه من إبطال أزلية المادة، وأنها لم توجد بنفسها، بل أوجدها الفاعل المختار، وعلى ذلك فآدم من تراب، والتراب مخلوق من العدم، ثم تحول التراب بعد صب الماء عليه إلى طين، فصار هذا الطين حمأ مسنونا، طينا متغيرا، ثم جف هذا الحمأ المسنون فصار صلصالا كالفخار، ثم سوى الله جل جلاله صورة آدم، عليه السلام، من هذا الفخار، ثم نفخ فيه من روحه، فكان إنسانا أصلا لأبنائه الموجودين عموما إلى أن تنتهى الدنيا.
ولا نريد أن نذكر هذا للماديين، فهم لا يصدقونه؛ لأنه غيب، ولا يؤمن بالغيب إلا المؤمنون الصادقون، وإنما نريد أن نذكر لهم كيف كان خلق ذرية آدم من بعده، فذلك محسوس لهم ومشاهد، فتكون الدلالة فيه ألزم، والحجة فيه أقوى. وسوف لا نتعرض لتفسير الآيات المسوقة إلا بالقدر الذى يتضح به المراد، وتظهر عنده الحقيقة.
كيفية خلق الذرية: قال الله تعالى فى سورة المؤمنون: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون: ١٢ - ١٤].
إن الماديين لا يستطيعون أن ينكروا هذه الأطوار فى خلق الذرية بحال من الأحوال، ولا يمكنهم أن يدفعوا منها شيئا، اللهم إلا إذا أمكن أن تنكر الشمس وهى طالعة، وينكر سواد الليل وبياض النهار.


الصفحة التالية
Icon