ولا نرى تفاوتا كبيرا بين الرأيين، فقد تكون المشيمة التى قال بها أئمة التفسير إحدى هذه الأغشية، ويعلوها الغشاءان الآخران.
٣ - قوله جل شأنه فى سورة عبس: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ [عبس: ١٧ - ٢٣].
قال البيضاوى عند هذه الآية: دعاء عليه بأشنع الدعوات، وتعجب من إفراطه فى الكفران، وهو مع قصره يدل على سخط عظيم، وذم بليغ.
فإن قيل: الدعاء على الإنسان إنما يليق بالعاجز، فكيف يليق ذلك بالقادر سبحانه؟
والتعجب أيضا إنما يليق بالجاهل بسبب الشيء، فكيف يليق ذلك بالعالم جل شأنه؟
فالجواب أن ذلك ورد على أسلوب كلام العرب؛ لبيان استحقاقه لأعظم العقاب، حيث أتى بأعظم القبائح، كقولهم إذا تعجبوا من شىء: قاتله الله ما أخبثه، وأخزاه الله ما أظلمه، وقيل: ما أكفره بالله ونعمه، مع معرفته بكثرة إحسانه إليه، وأيا ما كان فهو ذم وتقبيح للإنسان حيث أعرض عن النظر والتفكير.
قوله سبحانه: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [عبس: ١٨]، شروع فى بيان ما أنعم به عليه بعد المبالغة فى وصفه بكفران نعم خالقه، والاستفهام فيه للتقرير، أى إيقاف الإنسان الكافر على حال شأنه وتعريفه بها، وهى حال حقيرة لا تستدعى أن يكون كافرا متكبرا.
وذكر الجواب فى قوله تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ [عبس: ١٩]، لا يقتضى أن الاستفهام حقيقى؛ لأن المراد بهذا الجواب ما هو على صورته؛ لأنه بدل من قوله:
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [عبس: ١٨]، فكأنه قيل بادئ ذى بدء: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ [عبس: ١٩].
وقوله جل شأنه: فَقَدَّرَهُ [عبس: ١٩]، أى علقة، ثم مضغة، إلى آخر خلقه، وقيل سواه، كقوله: ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا [الكهف: ٣٧]، أى قدر كل عضو فى الكيفية والكمية، بالقدر اللائق لمصلحته، كقوله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [الفرقان: ٢]، والفاء على هذه الأقوال للترتيب فى الذكر، لا فى الوجود الزمنى، إذ المعنى أنه خلقه مصاحبا للتقدير، وقوله سبحانه: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ [عبس: ٢٠]،


الصفحة التالية
Icon