ثالثا: آيات فى بعض مظاهر الكون:
آية اختلاف الليل والنهار: وسوف نطيل الكلام فيها؛ لما لها من عموم النفع، وظهور دلالتها على المراد، فكل من الليل والنهار يتوارد على الآخر، فبينما النهار مضىء يجلى الأرض بنوره، ويعمها بضيائه، إذا بالليل يغشاه، فترى المعمورة وقد عمها الظلام الحالك، وسادها السكون القاطع للأعمال، والمريح للأبدان، فهذا التوارد، أعنى ذهاب إحداهما ومجىء الآخر مكانه دون توقف أو تغير، آية دالة على وجود الله سبحانه، وتوحيده، وعظيم قدرته، كما أن اختلافهما بالزيادة والنقصان دون أن يحصل لهذه الزيادة أو ذلك النقصان أدنى تغير على مر السنين والأعوام، لأقوى دليل على المراد.
وقال بعض العلماء: وعندى فيه وجه ثالث، وهو أن الليل والنهار كما يختلفان بالطول والقصر فى الأزمنة، فهما يختلفان فى الأمكنة، فإن من يقول: إن الأرض كرة، فكل ساعة عينتها، فتلك فى موضع من الأرض صبح، وفى موضع آخر عصر، وفى آخر مغرب، وفى آخر عشاء، وهلم جرا، إذا اعتبرنا البلاد المختلفة فى الطول، أما البلاد المختلفة فى العرض، فكل بلد عرضه للشمال أكثر كانت أيامه الصيفية أقصر، وأيامه الشتوية بالضد من ذلك، فهذه الأحوال المختلفة فى الأيام والليالى بحسب أطوال البلاد وعرضها أمر عجيب. أ. هـ.
يضاف إلى ما تقدم انتظار أحوال العباد فى معاشهم بالراحة فى الليل، والسعى فى النهار، مصداق قوله تعالى فى سورة القصص: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص: ٧١ - ٧٣].
وما أبدع قوله سبحانه فى سورة الرعد فى التعبير عما فى الليل والنهار من آية بقوله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ [الرعد: ٣]، وذلك أن قوله: يُغْشِي يفيد صراحة أن الليل بظلمته يستر النهار كله، فلم يبق هناك موضع للضوء أصلا، مع ما فيه من الاستعارة البديعة، وبيان ذلك أن الإغشاء إنما هو إلباس الشيء، ولما كان إلباس الليل النهار، وتغطية النهار به غير معقول؛ لأنهما متضادان لا يجتمعان، واللباس لا بدّ أن