يجتمع مع اللابس، كان لا بدّ من تقدير مضاف، أى يغشى الليل مكان النهار، ومكان النهار هو الجو، فيكون الجو هو الذى يلبس ظلمة الليل ويجتمع معها، ولا منافاة فى ذلك.
أما الاستعارة، فهى أن يقال: شبه إحداث الظلمة فى الجو الذى هو مكان الضوء بإغشائها إياه، وتغطيته بها بجامع مطلق الستر فى كل، واستعير الإغشاء بمعنى إلباس الظلمة للجو، لإحداث الظلمة به، ثم اشتق منه يغشى بمعنى يلبس على طريق الاستعارة التبعية.
وإنما لم يذكر عكسه: ويغشى النهار الليل؛ للعلم به من باب الاكتفاء بذكر أحد الضدين، كما فى قوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١]، أى والبرد.
وهذا الاكتفاء والحذف فى هذه الآية يشبه الاكتفاء والحذف فى سورة يس: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ [يس: ٣٧]، فإنه صرح بآية الليل دون آية النهار، مع أن السياق يرشد حتما إلى أن التقدير: والنهار نسلخ منه الليل، فإذا هم مبصرون.
وفى نَسْلَخُ استعارة تصريحية تبعية، وذلك أنه شبه انكشاف ظلمة الليل بكشط الجلد من الشاة، والجامع ما يعقل من ترتب أحدهما على الآخر، واستعير كشط الجلد، أى سلخه، لانكشاف ظلمة الليل، واشتق منه نَسْلَخُ بمعنى نكشف، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
والعجيب فى أمر الليل والنهار أن كلا منهما فى مدته وما حدد له من زمن، لا يغلب أحدهما الآخر، فكل منهما مقهور فى خصائصه ومميزاته بإرادة الفاعل المختار، وقدرة القادر الذى لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء، وهذا ما يعطيه قوله جل جلاله فى سورة يس أيضا: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ
فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
[يس: ٤٠].
فالشمس التى هى آية لا ينبغى لها، أى لا يسهل عليها، ما دام هذا الكون موجودا على ذلك الترتيب والنظام البديع، أن تدرك القمر فتجتمع معه فى الليل، فما النهار سابق الليل، ولا الليل سابق النهار، أى فلا يأتى أحدهما قبل انقضاء الآخر، فالآية من الاحتباك؛ لأنه نفى أولا إدراك الشمس للقمر، ففيه دليل على ما حذف من الثانى من


الصفحة التالية
Icon