يغيب عن البال، وأن يكون فى قرارة كل نفس مؤمنة بالقرآن.
فالملحد حين يقول: إنى لا أومن بما جاء فى القرآن من حقائق وعلوم، إلا إذا ثبت ذلك عندى بالدليل العقلى، نقوله له: إن القرآن يحمل معه الدليل العقلى على أنه من عند الله تعالى، وهو تحديه لكل الخلائق وعجزهم عن المعارضة كما بينا، فهات ما عندك من المعارضة، وإلا فأنت محجوج بالبرهان الصادق، وملزم بالدليل الصحيح.
وإن لم يكن فى استطاعتك وحدك أن تأتى بالمعارضة، فضم إلى نفسك من يساويك، أو أعلى منك من عموم الإنس والجن إن أمكنك، ونعلمك من الآن أنكم جميعا عاجزون مقهورون، فسلم دون مكابرة، ولا معاندة، واعلم أنه تنزيل من رب العالمين، وسيبقى القرآن كذلك غالبا غير مغلوب، قاهرا غير مقهور، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
وأما إذا لم تكن من أهل البحث والنظر، فألق قيادك لأهل العلم، وانضو تحت لوائهم، فهم العارفون بالحقيقة والأمناء عليها، وهم حماتها والحراس عليها، وصدق القائل إذ يقول:

وإذا لم تر الهلال فسلم لأناس رأوه بالأبصار
هذا وليعلم أن هذا الإعجاز خاص بالقرآن دون الكتب السابقة، فكل واحد منها وإن تعين صدقه بأن صدق الله تعالى مبلغه بأن أظهر على يديه من المعجزات القاهرة ليس معجزا مصدقا لنفسه، ومن هنا، أى من حيث إن القرآن العظيم مصدق لنفسه بسبب كونه معجزا كان مصدقا للكتب المتقدمة، معيارا عليها، شاهدا على مضمونها، وصحتها.
تلكم هى المطالب الثلاث مع أدلتها، والتى تلزم جميع فرق المكلفين، بما فى ذلك اليهود والنصارى، إلا أن الله تعالى خص اليهود والنصارى بالذكر؛ لما لهم من شرع سماوى سابق، ووحى إلهى ماض، فكان كفرهم أفظع، ومخالفتهم أفحش، وهو ما نذكره فيما يلى.
هذا وقد قدمنا لك بسطا وإيضاحا لهذه المطالب الثلاثة من حيث إثباتها، والرد على من أنكرها وكفر بها من الماديين فى القسم الأول.


الصفحة التالية
Icon