فصل فى جمع القرآن ومنشأ القراءات


نزل القرآن الكريم جملة واحدة فى ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فكان نزوله حدثا جليلا أشعر العالم العلوى من ملائكة الله بشرف الأمة المحمدية التى أكرمها الله بهذه الرسالة لتكون خير أمة أخرجت للناس، ثم بدأ ينزل منجما أى مفرقا فى ثلاث وعشرين سنة: منها ثلاث عشرة بمكة- على الرأى الراجح (١) - وعشر بالمدينة، فكان ينزل بحسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل من ذلك لحكم بليغة منها تثبيت فؤاد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتيسير وتسهيل حفظه وفهمه، والتدرّج فى التشريع، وغير ذلك...
وكان نزول القرآن آنذاك على سبعة أحرف لتيسير قراءته وحفظه على قوم أميين لكل قبيل منهم لهجة ولسان، ولا عهد لهم بحفظ الشرائع، وتحقيقا لقوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢).
والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة حتى تواتر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل على سبعة أحرف أذكر منها ما صح من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «أقرأنى جبريل عليه السلام على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف» (٣).
وقد اختلف أهل العلم فى معنى هذه السبعة أحرف على أقوال كثيرة، أورد منها الإمام ابن كثير فى ذيل تفسيره خمسة أقوال (٤) أرجحها وهو قول أكثر أهل
(١) الراجح: (الأصح): يقصد به المعتمد، وعكسه المرجوح يعنى غير المعتمد، وقيل يعنى أن ما بعدها ضعيف.
(٢) القمر: ١٧.
(٣) صحيح البخارى (ج ٩ ص ٢٣) مع الفتح، صحيح مسلم (ج ٦ ص ١٠١) بشرح النووى.
(٤) تفسير ابن كثير (ج ٤ ص ٥٩٨).


الصفحة التالية
Icon