بين اللوحين، أي أنه اول جمع للقرآن في صورة كتاب. ولقد رويت عن عدد من الصحابة أحاديث تثني على أبي بكر لعمله هذا، منها قول عليّ: «رحمة الله على أبي بكر، كان أول من جمع بين اللوحين»، وقوله: «أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر فإنه أول من جمع بين اللوحين (١)».
هذه المحاولة التي قام بها أبو بكر- حين استحرّ القتل بالقراء في حرب اليمامة- ربما سبقت بمحاولات قام بها بعض الصحابة من تلقاء أنفسهم. ومن ذلك ما روى من أن علي بن أبي طالب «أقسم ألا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل، فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن، قال لا والله، إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة، فبايعه ثم رجع (٢)». ويشكك بعض المحققين في ورود كلمة «مصحف» بهذه الرواية، وهذا حق، لأن هذه الكلمة لم تكن قد استعملت بعد. كما فسر البعض جمع القرآن هنا بأنه حفظه (٣).
ولقد روي أن صحابة آخرين جمعوا القرآن في مصاحف. من هؤلاء أبيّ بن كعب، وسالم مولى حذيفة، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل وغيرهم. لكن عمل هؤلاء لم يتح له من التواتر والاستقصاء ما أتيح لمصحف أبي بكر.
هذا العمل الجليل الذي قام به أبو بكر وعمر وزيد بن ثابت قام على ما كان محفوظا في صدور الرجال، كما أن هذا المحفوظ عورض على ما كان مدونا في السجلات التي دونت بين يدي الرسول. وكان على كل من يأتي بشيء مدون من القرآن الكريم أن يجيء بشاهدين على أن ما معه دون بين يدي رسول الله.
يقول السيوطي: «على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد
(٢) المصدر السابق، ص ١٠.
(٣) المصدر السابق.