اليمان، فركب إلى عثمان بن عفان وقال له: «يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة أن أرسلى إلى بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت حفصة إلى عثمان بالصحف، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير أن انسخوا الصحف في المصاحف. وقال للرهط القرشيين الثلاثة: ما اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف بعث عثمان إلى كل أفق بمصحف من تلك المصاحف التي نسخوا وأمر بسوى ذلك في صحيفة أو مصحف أن يحرق... قال الزهري: واختلفوا يومئذ في التابوت والتابوة فقال النفر القرشيون التابوت، وقال زيد التابوة، فرفع اختلافهم إلى عثمان، فقال اكتبوه: التابوت، فإنه لسان قريش (١)».
والظاهر أن الخلاف في القراءة قد ظهر بصورة واضحة في المدينة ذاتها.
فقد كان المعلمون يعلمون القرآن، فهذا يعلم قراءة رجل، وذاك يعلم قراءة رجل آخر، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين.
وبلغ ذلك عثمان فقام خطيبا، فقال: أنتم عندي تختلفون فيه فتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد فيه اختلافا وأشد ظنا. اجتمعوا يا أصحاب محمد، واكتبوا للناس إماما (٢) (أي مصحفا اماما).
وروى عن مالك بن أنس (جد الفقيه المشهور) أنه قال: «كنت فيمن أملي عليهم، فربما اختلفوا في الآية، فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها ويدعون موضعها حتى يجيء، أو يرسل إليه (٣)».

(١) السجستاني: كتاب المصاحف، ص ١٩.
(٢) المصدر السابق، ص ٢١.
(٣) المصدر السابق، ص ٢٢.


الصفحة التالية
Icon