ويذكر ابن حجر العسقلاني أن هذا الجمع تم عام ٢٥ للهجرة.
فالفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان «أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته، لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف، مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد، مرتبا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسّع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر. فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة (١)».
ويصف القاضي أبو بكر- في كتابه الانتصار- مصحف عثمان بأنه قصد إلى جمع الناس على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أثبت مع تنزيل، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه، خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.
أما عدد المصاحف التي نسخت فقيل إنها أربعة وقيل خمسة وقيل سبعة.
ولقد لقى عمل عثمان هذا معارضة- في أول الأمر- من عبد الله بن مسعود. لكن كثرة الصحابة تلقوا عمله بالقبول والرضا، ولم ينكر عليه أحد إحراقه المصاحف المخالفة للمصحف الإمام، بل عدوا ذلك من مناقبه، حتى قال علي: لو وليت ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل (٢). وما لبث ابن مسعود بعد ذلك أن قبل ما قبله سواه من الصحابة.
(٢) الزركشي: البرهان، ج ١، ص ٢٤٠.