وتجد اختصار هذه المعاني جميعا في عبارة الأصوليين:
(مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم، والله سبحانه أعلم) (١).
وبعد الذي قدمته لك من مذاهبهم في التّشابه والإحكام، فإنه ظهر لك أن أمر اختلاف القراءات في آيات الأحكام ليس من باب التشابه، بل إن القراءات المتواترة في الآية الواحدة سبيل إلى دفع التّشابه المتوهم فيها.
ومن الأمثلة الظاهرة على أن تواتر القراءة يدفع توهم التّشابه ما يلي (٢):
قوله تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها (٣) [البقرة: ٢/ ١٤٨].
الظاهر فيها استلاب التّكليف من العبد، وقد دفع هذا الظاهر بالقراءة المتواترة:
(ولكلّ وجهة هو مولّاها) (٤).
قوله تعالى: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ (٥) [الجن: ٧٢/ ٢٨].
الظاهر فيها تعليل مجريات الأحداث بقصد اطلاع المولى على صنيع أنبيائه، فدفع هذا التّوهم بالقراءة المتواترة: (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم) (٦).
قوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا (٧) [يوسف: ١٢/ ١٠٩].
الظاهر فيها أن الرّسل ظنّوا أن الوحي الإلهي كذبهم، فدفع هذا التّوهم بالقراءة المتواترة:
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا (٨).
(٢) ملاحظة: الأمثلة هنا من باب الأحكام الاعتقادية، إذ ليس في الأحكام الفقهية متشابه أصلا.
(٣) وهي قراءة سائر القرّاء إلا ابن عامر.
(٤) وهي قراءة ابن عامر.
(٥) وهي قراءة جمهور القرّاء.
(٦) وهي قراءة رويس.
(٧) وهي قراءة الكوفيين وأبي جعفر.
(٨) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب.