المسألة الثالثة:
قوله تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها [البقرة: ٢/ ١٥٧].
قرأ ابن عامر الشامي: (ولكلّ وجهة هو مولّاها) (١).
وقرأ باقي العشرة: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها (٢).
وحجة ابن عامر أن العبد يولي هذه القبلة، ولم ينسب الفعل إلى فاعل بعينه، وهذا أصفى في التوحيد، إذ المولى عزّ سلطانه هو المنفرد بالتدبير، فيكون الضمير (هو) كناية عن الاسم الذي أضيفت إليه لفظة (كل) وهو الفاعل، وحيث أقيم التركيب هنا مقام ما لم يسم فاعله، كان (هو) بمثابة نائب فاعل، والفاعل هنا هو الله سبحانه تصريحا.
وقرأ باقي العشرة هُوَ مُوَلِّيها أي متّبعها وراضيها، وحجتهم في ذلك ما روي عن مجاهد بن جبر: (ولكلّ وجهة هو موليها) أي لكل صاحب ملّة وجهة أي قبلة هو موليها أي مستقبلها (٣).
ولا شكّ أن ما عند الجمهور من تواتر أقوى مما يروى إلى مجاهد، ولكنهم أوردوه للاستئناس بما فيه من التأويل، وليس للإسناد إليه في الإقراء، وكذلك قال القاضي ابن العربي المالكي:
(وقرئ هو مولّاها، يعني المصلّي، والتقدير أن المصلّي هو موجه نحوها، وكذلك قيل في قراءة من قرأ هو موليها، إن المعنى أيضا هو متوجّه نحوها، والأول أصح في النظر، وأشهر في القراءة والخبر) (٤).

(١) سراج القاري لابن القاصح، ١٥٧.
وعبارة الشاطبية: ولام موليها على الفتح كملا.
فأخبر أن المرموز إليه بالكاف وهو ابن عامر قرأها بفتح اللام، فتعينت القراءة بالكسر لبقية السبعة.
(٢) لم يأت ابن الجزري في الدرة على ذكر خلاف للثلاثة في هذا الوجه فتعيّن أنهم قرءوا كالجمهور.
(٣) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة، ١١٧.
(٤) أحكام القرآن للرازي لابن العربي المالكي، ١/ ٤٤.


الصفحة التالية
Icon