ولكن يرد على هذا المذهب ما ورد في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال:
يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار، قال: فلما قفى الرّجل دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار (١).
وقد أجاب العلماء عن هذا الحديث إجابات كثيرة؛ منها أنه حديث آحاد فلا يعارض القطعي من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: ١٧/ ١٥].
ومنها أن في الحديث اضطرابا، إذ لم تتفق الرواة في حديث مسلم على قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن أبي وأباك في النار»، ففي رواية أنه قال صلّى الله عليه وسلّم بدل ذلك: «إذا مررت بقبر كافر فبشّره بالنار».
ومثله ما رواه البزار، والطبراني، والبيهقي من حديث سعد بن أبي وقاص أن أعرابيّا قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أين أبي؟ فقال: في النار. قال: فأين أبوك؟ قال: حيثما مررت بقبر كافر فبشّره بالنار (٢).
وقد انتصر الزين الحلبي لهذا المذهب مستدلّا بما أورده الخطيب عن عائشة والقسطلاني في المواهب اللدنية أن الله أحيا والدي النّبي صلّى الله عليه وسلّم حتى آمنا به (٣).
ولكن هذا الاستدلال لا ينهض حجة في هذا المقام إذا الحديث في هذا المعنى باطل، وقال الحافظ ابن كثير إنه حديث منكر جدّا، وسنده مجهول، وقد جزم ابن دحية بأنه موضوع (٤).
(٢) شرح الباجوري على جوهرة التوحيد ٤٧.
(٣) السيرة الحلبية لزين الدين الحلبي ١/ ٩١.
وأورد فيه نظما لبعض الفضلاء:
حبا الله النّبي مزيد فضل | وإحسانا.. وكان به لطيفا |
فأحيا أمّه وكذا أباه | لإيمان به فضلا منيفا |
فسلّم.. فالقديم بذا قدير | وإن كان الحديث به ضعيفا |