على أن نقض الاستدلال بهذا الوجه لا يضعف ما اختاره الأشاعرة من نجاة أهل الفترة لعموم الأدلة التي قدمناها.
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ [آل عمران: ٣/ ٨١].
قرأ حمزة: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم) (١) بكسر اللام. جعل (ما) بمعنى الذي، والمعنى: (وإذ أخذ الله ميثاق النّبيين للذي آتيتكم) أي لهذا، فهذه اللام لام الإضافة، واللام متعلقة ب (أخذ ميثاق)، والمعنى: (أخذ الميثاق لإتيانه الكتاب، والحكمة أخذ الميثاق).
قال الفرّاء: «من كسر اللام يريد: أخذ الميثاق للذي آتاهم من الحكمة».
قال الزجاج: «ويكون الكلام يؤول إلى الجزاء كما تقول: لما جئتني أكرمتك»، فيكون المراد أن الله سبحانه أخذ منهم الميثاق أن يحفظوا ما آتاهم من كتاب وحكمة.
وقرأ الباقون: لَما آتَيْتُكُمْ بفتح اللام. كان الكسائي يقول: (معناه مهما آتيتكم) على تأويل الجزاء، قال: «وجوابه فَمَنْ تَوَلَّى وهذه اللام تدخل في (ما) وفي (من) على وجه الجزاء».
قال الزجاج: (ما) هاهنا على ضربين: يصلح أن تكون للشرط والجزاء، وهو أجود الوجهين؛ لأن الشرط يوجب أن كل ما وقع من أمر الرسل فهذه طريقته.
واللام دخلت في (ما) كما تدخل في (إن) الجزاء إذا كان في جوابها القسم. قال الله تعالى:
وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الإسراء: ١٧/ ٨٨]، وقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء: ١٧/ ٨٦]، فاللام في (إن) دخلت مؤكدة موطئة للام القسم، ولام القسم

(١) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة، ط مؤسسة الرسالة ١٦٨، وانظر سراج القاري لابن القاصح، ط البابي الحلبي ١٨٢. ونص الشّاطبي:
ورفع ولا يأمركم روحه سما وبالتاء آتينا مع الضمّ خولا
ولم يأت ابن الجزري في الدّرة على ذكر خلاف للثلاثة، فدلّ على أنهم قرءوا وفق قراءة الجمهور.


الصفحة التالية
Icon