هي اللام التي لليمين لأن قولك: (والله لئن جئتني لأكرمنّك) إنما حلفك على فعلك، إلا أن الشرط معلّق به، فلذلك دخلت اللام على الشرط، فإذا كانت (ما) بمعنى الجزاء؛ موضعها نصب بقوله: آتَيْتُكُمْ، وتقدير الكلام (أي شيء آتيتكم) فتكون اللام الأولى على (ما) دخلت للتوكيد أي توكيد الجزاء، واللام الثانية في قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ [آل عمران: ٣/ ٨١]، لام القسم، قال: ويجوز أن تكون (ما) في معنى (الذي) ويكون موضعها الرفع، المعنى: أخذ الله ميثاق أي استخلصهم للذي آتيتكم- المعنى آتيتكموه- لتؤمنن به وحذف الهاء من قوله: (آتيتكموه) لطول الاسم (١).
وقال الزمخشري في الكشاف: اللام في لَما آتَيْتُكُمْ لام التوطئة، لأن أخذ الميثاق في معنى الاستخلاف، وفي لَتُؤْمِنُنَّ لام جواب القسم، وما يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط، ولَتُؤْمِنُنَّ سدّ مسدّ جواب القسم، والشرط جميعا.
وقرأ حمزة: (لما آتيتكم) بكسر اللام، ومعناه لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، على أن (ما) مصدرية، والفعلان معها، أي آتيتكم، وجاءكم في معنى المصدرين (٢).
وثمرة الخلاف:
أن كلّا من الآيتين أفادت معنى جديدا، فأفادت الأولى أن الميثاق إنما أخذه الله عزّ وجلّ على تكليفهم بتبليغ ما أوتوا من الكتاب والحكمة.
وأفادت قراءة الجمهور أن الميثاق أكرم به النّبيون بما رزقوا من الكتاب والحكمة، فبينما فهم من الأولى أن الحكمة والكتاب هما موضوع الميثاق الذي واثقهم الله عليه، فهم من الثانية أن الله جعلهم من أهل الميثاق ببركة ما وفّوا به من أمر الكتاب والحكمة (٣)، فليس بين القراءتين تضادّ، والمؤمن يؤمن بالكتاب كله.
(٢) تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري محمود بن عمر، ط (انتشارات آفتاب) - طهران ١/ ٤٤١.
(٣) انظر الجامع لأحكام القرآن، ط دار الكتاب العربي ٢/ ١٢٥. وانظر الكشاف للزمخشري، ط (انتشارات آفتاب) طهران ١/ ٤٤١.