وثمرة الخلاف:
أن القراءة بالتاء (وما تفعلوا من خير فلن تكفروه) موجهة إلى الأمة القائمة، وهو معنى تظاهرت على الدلالة عليه نصوص كثيرة، وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ [المزمّل: ٧٣/ ٢٠]، أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ [آل عمران: ٣/ ١٩٥].
وأما القراءة بالياء فقد أفادت معنى جديدا؛ وهو أن الله عزّ وجلّ لن يضيع إحسان أهل الكتاب، فيثيب المحسن منهم ويعاقب المسيء، وهذا المعنى الذي انفردت به هذه الآية تصريحا وتخصيصا دلّت عليه آيات كثيرة تلميحا وإشارة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزّلزلة: ٩٩/ ٧ - ٨]، إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التّوبة: ٩/ ١١٩]، مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [الجاثية: ٤٥/ ١٥]، ولا يخفى أن المقصود بأهل الكتاب هنا مؤمنوهم.
ولكن هذا المعنى الأخير لا يصادم القطعي من النصوص في بطلان أعمال الكافرين، بعد أن ورد صريح النّص، وانعقد إجماع الأمة، على ذلك.
قال الله عزّ وجلّ: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً [الكهف: ١٨/ ١٠٠]، والجمع بين النصوص أن الآية إنما تخصّ أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام كما يدلّ لذلك سبب نزولها (١):
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده في الصحابة عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعيد، وأسيد بن سعيد، وأسد بن عبد، ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا، وصدقوا، ورغبوا في الإسلام؛ قالت أحبار اليهود، وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد واتبعه إلا أشرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا آباءهم وذهبوا إلى غيرهم، فأنزل الله في ذلك: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ الآية.
وأخرج أحمد وغيره عن ابن مسعود قال: أخّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: أما أنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه