ورجل مملوك أدى حقّ الله، وحقّ مواليه... ورجل كانت عنده أمة، فأدّبها، فأحسن تأديبها، ثم أعتقها، وتزوّجها.. » (١) الحديث، ولا عبرة بعدئذ لأنساب القوم وأصولهم، فشرف النسب أدعى إلى تغليظ الحساب منه إلى تهوينه.
قال ابن تيمية: (الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيّا، أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بنسبه، وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النّسخ أو التّبديل، أو بعد ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة، ومالك، والمنصوص الصريح عن أحمد) (٢).
وقال: (وإذا كان ذلك كذلك، فكل من تديّن بهذا الكتاب الموجود عند أهل الكتاب فهو من أهل الكتاب، وهم كفار تمسكوا بكتاب مبدّل منسوخ، وهم مخلدون في نار جهنم كما يخلد سائر أنواع الكفار، والله تعالى مع ذلك شرع إقرارهم بالجزية، وأحلّ طعامهم، ونساءهم) (٣).
أقول: هذا رأي ابن تيمية، ولكني أرى أن الآية تشمل كذلك من أقر بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وتوحيد الخالق من أهل الكتاب، ولو تعبد على دينه الأول، إذ هو مقتضى العدل الإلهي، وظاهر نص الآية (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين) [آل عمران: ٣/ ١١٥]، ويشهد له ما رواه ابن كثير في تفسيره في سبب نزول الآية: (ولله المشرق والمغرب) أن طائفة من الصحابة أنكروا صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم على النجاشي، وقالوا: إنه لم يصل صلاتنا، ولم يستقبل قبلتنا، ومات وهو يصلي إلى بيت المقدس، فأنزل الله: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) [البقرة: ٢/ ١١٥].
ولا شك أن الذين أخبرت عنهم الآية بأنهم من أهل الجنة ليسوا أولئك الذين كفروا بالقرآن، وآمنوا بالكتب المحرّفة، بل هم بلا ريب أهل الكتاب الذين آمنوا بوحدانية الله ونبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم.

(١) أخرجه الإمام البخاري، كتاب العلم، باب تعليم الرجل أمته وأهله، رقم الحديث ٩٧، طبعة البغا. ورواه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، باب (٩)، رقم الحديث ٢١، ص ١٩، طبعة البغا.
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢٥/ ٢٢٨.
(٣) المصدر نفسه ٢٢٩.


الصفحة التالية
Icon