المسألة الخامسة:
قوله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران: ٣/ ١٦١].
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم: (أن يغلّ) بفتح الياء وضم الغين. أي: ما كان لنبيّ أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم. وحجتهم في ذلك أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم جمع الغنائم في غزاة. فجاءه جماعة من المسلمين فقالوا: ألا تقسم بيننا غنائمنا؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لو أن لكم مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما، أترونني أغلكم مغنمكم» فنزلت وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ (١)، أي ما ينبغي أن يجور في القسم، ولكن يعدل، ويعطي كل ذي حق حقه.
عن ابن عباس قال: نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر، فقال من كان مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «لعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذها» فأنزل الله الآية (٢).
وحجة أخرى وهي أن المستعمل في كلام العرب أن يقال لمن فعل ما لا يجوز له أن يفعل:
(ما كان لزيد أن يفعل كذا وكذا، وما كان له أن يظلم) ولا يقال: (أن يظلم) لأن الفاعل فيما لا يجوز يقال له: (ما كان ينبغي أن يفعل ذلك) نظير قوله: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وكما قال: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ألا ترى أنهم المستغفرون، ولم يقل: (أن يستغفروا).
وقرأ الباقون: (أن يغلّ) بضم الياء وفتح الغين. أي ما كان لنبي أن يغله أصحابه أي يخونوه، ثم أسقط (الأصحاب) فبقي الفعل غير مسمى فاعله، وتأويله: ما كان لنبي أن يخان (٣).
وحجتهم ما ذكر عن قتادة قال: (ما كان لنبي أن يغلّه أصحابه الذين معه من المؤمنين) (٤)، ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النّبي صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر، وقد غلّ طوائف من أصحابه.

(١) لم أجده، والعهدة فيه على إيراد أبي زرعة له في الحجة ١٧٩.
(٢) أخرجه أبو داود والترمذي، وقال: هو حسن، عن ابن عباس. وانظر أسباب النزول للسيوطي، آل عمران: ٣/ ١٦١.
(٣) انظر الدّر المنثور في التفسير بالمأثور ٢/ ٩١، وفيه نسبة هذا القول للحسن البصري.
(٤) انظر الدّر المنثور للسيوطي، وفيه نسبة القول إلى الربيع وقتادة.


الصفحة التالية
Icon