ولا يخفى أن إنكار ابن عباس مستند إلى قياس، والقياس لا ينهض حجة في ردّ التواتر كما هو معلوم.
وتتضمن قراءة (يغلّ) معنى آخر أيضا، وهو أن أصحاب الأنبياء لا يجوز لهم بحال أن يغلوا أنبياءهم، فقد يظن بعض المنافقين أن غلولهم للأنبياء مغفور، لأن ما بين أيدي الأنبياء من المال إنما هو مال الأمة، وهم من الأمة، فجاءت الآية محذرة من هذا التوهم، مصرّحة بتحريم غلول الأموال في كل حال.
المسألة السادسة:
قوله تعالى: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ [المائدة: ٥/ ٤٧].
قرأ حمزة: (وليحكم أهل الإنجيل) بكسر اللام، وفتح الميم.
جعل اللام لام كي، ونصب الفعل بها، وكأنه وجّه معنى ذلك إلى وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ [المائدة: ٥/ ٤٦].
وكي يحكم أهله بما أنزل الله فيه.
وقرأ الباقون: وَلْيَحْكُمْ ساكنة اللام، والميم على الأمر، فأسكنوا الميم للجزم، وأسكنوا اللام للتخفيف.
وحجتهم في ذلك أن الله عزّ وجلّ أمرهم بالعمل بما في الإنجيل كما أمر نبينا صلّى الله عليه وسلّم في الآية بعدها بالعمل بما أنزل الله إليه في الكتاب بقوله:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (١).
وحمزة وليحكم بكسر ونصبه | يحركه تبغون خاطب كملا |