وثمرة الخلاف:
أنه من قرأ بالنصب جعلها متعلقة بقوله: وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ، أي لكي يحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، وهو محلّ اتّفاق بين المسلمين؛ لأن أهل الكتاب كانوا مأمورين أن يحكموا بما في الإنجيل.
أما القراءة بالجزم على أساس أن اللام لام الأمر، فهي أيضا إلزام لهم بالحكم بما في الإنجيل الحق من وجوب اتّباع النّبي صلّى الله عليه وسلّم كما يجدونه في كتبهم. فالخلاف بين القراءتين شكلي، والاتفاق منعقد على المعنى (١).
وبمثل ذلك نقل القرطبي عن النحاس قوله: والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان؛ لأن الله عزّ وجلّ لم ينزل كتابا إلا ليعمل بما فيه، وأمر بالعمل بما فيه فصحتا جميعا (٢).
وليس في أيّ من القراءتين دليل للنصارى اليوم فيما يزعمونه من أن القرآن أمرهم بالاحتكام إلى الإنجيل، إذ إن الإنجيل الذي أمروا بالاحتكام إليه في نصّ القرآن؛ هو ذلك الإنجيل الذي يتضمن وحدانية الله، وبشرية السيد المسيح والبشارة بالمصطفى صلّى الله عليه وسلّم؛ قال الله عزّ وجلّ:
وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التّوبة: ٩/ ٣١].
وقال تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ [المائدة: ٥/ ٧٥].
ولا يخفى أن دعوة القرآن لهم إلى الحكم بما أنزل الله في الإنجيل قائمة باقية، ولكن المقصود بها هو ذلك الإنجيل الحق الذي أنزله الله على عيسى بن مريم، وهذا التعريف للإنجيل لا يقول به اليوم أحد من النصارى، إذ إنهم لا يعتقدون بوجوده أصلا، بل يقولون بإلهامات أنزلها الله عزّ وجلّ على أصحاب عيسى الأربعة، وهو خلاف ما تقرر لدى المسلمين من نزول الإنجيل على السيد المسيح نفسه.
وأشهر من قال ذلك وانتصر له من النصارى الأب يوسف درة الحداد في سلسلة (دراسات قرآنية) منشورات المكتبة البولسية- بيروت.
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٦/ ٢٠٩.