وثمرة الخلاف:
أن إحدى القراءتين قررت أن ابن نوح عمل عملا غير صالح، وهو إعراضه عن هدي أبيه، وهي قراءة الكسائي ويعقوب.
وأفادت قراءة الجمهور أن سؤال نوح عن ولده عمل غير صالح، وهي تقرير أنه قد تصدر من الأنبياء الصغائر والذنوب، ولكن لا يقرون عليها؛ قال الله عزّ وجلّ: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [غافر: ٤٠/ ٥٥].
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٤٨/ ٢].
وهذا التأويل هو اختيار جمع من مفسّري السّلف، وأنا أنقل لك اختياراتهم كما أوردها السيوطي في الدّر المنثور:
أخرج ابن جرير: إنه عمل غير صالح، يقال: سؤالك عما ليس لك به علم. وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير أنه قرأ: عمل غير صالح؛ قال: معصيته نبي الله، وأخرج أبو الشيخ، وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: فلا تسألن ما ليس لك به علم؛ قال:
بيّن الله لنوح عليه السلام أنه ليس بابنه، وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن ابن زيدون: أني أعظك أن تكون من الجاهلين. قال: أن تبلغ بك الجهالة أني لا أفي بوعد وعدتك
حتى تسألني، قال: فإنها خطيئة، ربّ إني أعوذ بك أن أسألك.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن المبارك قال: لو أن رجلا اتّقى مائة شيء، ولم يتّق شيئا واحدا لم يكن من المتّقين. ولو تورّع عن مائة شيء، ولم يتورّع عن شيء واحد لم يكن ورعا، ومن كان فيه خلّة من الجهل كان من الجاهلين، أما سمعت إلى ما قال نوح عليه السلام: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، قال الله: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ.
وأخرج أبو الشيخ عن الفضيل بن عياض قال: بلغني أن نوحا عليه السلام لما سأل ربّه فقال: يا ربّ إن ابني من أهلي، فأوحى الله إليه: يا نوح إن سؤالك إياي إن ابني من أهلي عمل غير صالح، فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين؛ قال: فبلغني أن نوحا بكى على سؤاله أربعين عاما (١).