وترجع أهمية هذه الفكرة نظرا لطبيعة أداء هذه القراءات المتواترة؛ إذ إن غالبها لا يضبطه الكتاب على وجهه، ولا بد فيه من ضبط الشفاه، وهذا بدوره لا يتوفر إلا عند أهل الاختصاص، وهم نخبة محدودة، لا يملك سائر الناس سبل الوصول إليهم وتحصيل المعرفة عنهم.
أما وسائل التسجيل فيمكن أن تكون في كل مكتبة إسلامية يطّلع عليها من شاء، وينقطع عندها سبيل التزيّد والانحراف عن القراءة المتواترة التي أذن بها المعصوم صلّى الله عليه وسلّم.
هذا.. وقد تيسرت الآن وسائل التسجيل هذه بحيث يمكن جمع سائر القراءات على قرص ليزري واحد، من خلال جهاز الحاسوب (الكمبيوتر) وهذا ما يجعل سائر التنزيل القرآني بالنص والصوت متوفرا بيد كل طالب علم وبتكاليف يسيرة.
ثانيا- مشروع إصدار مصحف القراءات:
لم يعد ثمة مندوحة من القول بأن ثمة رسما متواترا غائبا لا يمكن تحصيله من مصحف حفص الشائع في العالم الإسلامي اليوم، إذ هو يدلّ لقراءة واحدة، بل لرواية واحدة من المتواتر، وهي التي تبلغ عشرين رواية متواترة كما قدمنا ذلك بالأدلة الإسنادية القاطعة.
وإذا كانت مسائل الأداء لا تتغير بها الأحكام فإنه لا بدّ على الأقل من ضبط الفرشيّات المأذون بها تواترا في الكتاب العزيز، وهذا أمر لا يعسر تحقيقه، بل يمكن ضبطه من خلال كتابة جدول صغير على هامش المصحف لبيان الوجوه الغائبة، وهي لا تتجاوز في تقديري ست كلمات وسطيا في الصفحة الواحدة، ولكنها تعود بفوائد جمة على القارئ والمفسّر جميعا.
وليست هذه الفكرة جديدة، بل هي فكرة قديمة قام بتحقيقها عدد من المشتغلين بخدمة القرآن الكريم في أجيال متعاقبة، ولكنها لم تجد سبيلها بعد للتوثيق عن طريق هيئة مرجعية لخدمة القرآن الكريم في العالم الإسلامي. وتجب الإشارة هنا إلى جهد قام به ناشر سعودي مستعينا ببعض القراء، حيث قام بجمع وجوه القراءات المتواترة من فرش وأداء على هوامش الصفحات، وهي بلا ريب خطوة جيدة، ولكنها تفتقر إلى مراجعة علمية، حيث وقعت فيها على أخطاء كثيرة، إضافة إلى وجوب تجريد الفرش عن الأداء، وحتمية صدورها عن هيئة مرجعية إسلامية عامة.