وعلى اختيار الرازي هذا جاءت آراء جماهير علماء القرآن، وأشهر من حرر هذه المسألة ابن قتيبة (١) في (المشكل)، والطيب الباقلاني (٢) في (الإعجاز)، وابن الجزري (٣)، وإن يكن لكل واحد منهم وجه انفراد، غير أنهم التزموا منهج الوجوه السبعة المذكورة مع تغيير طفيف.
ونطوي القول في مسألة القراءات والأحرف عند هذا الحد، مع أننا لم نحسم الجدل المستمر في تحقيق ضوابط ما بين القراءة والحرف، إذ ليس ذلك من شرط هذه الدراسة، ولكن الاطّلاع على الأقوال المختارة في الباب يكشف لنا عن سبيل الإحاطة بهذه المعارف، وبحسبي أن أجزم هنا أن الأحرف السبعة الواردة في السّنن الصّحاح هي معنى آخر في التّنزيل، متّصل بالأداء، مختلف عن معنى القراءات ودلالته.

(١) ابن قتيبة (ت ٣٢٢ هـ ٩٣٤ م).
هو أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو جعفر، قاض من أهل بغداد، له اشتغال بالأدب والكتابة، ولي القضاء بمصر سنة ٣٢١ هـ فجاءها، وعرف فضله فيها، فأقبل عليه طلاب العلوم والآداب، وكانت وفاته بمصر وهو يلي قضاءها.
(٢) القاضي الباقلاني (٣٣٨/ ٤٠٣ هـ ٩٥٠/ ١٠١٣ م).
محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر، قاض من كبار علماء الكلام، انتهت إليه الرئاسة في مذهب الأشاعرة، ولد في البصرة، وسكن بغداد، وتوفي بها، وجهه عضد الدولة سفيرا عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النّصرانية بين يدي ملكها. من كتبه (إعجاز القرآن)، و (الإنصاف)، و (مناقب الأئمة)، و (دقائق الكلام)، و (الملل والنّحل)، و (هداية المرشدين)، و (الاستبصار) وغيرها.
(٣) ابن الجزري (٧٥١/ ٨٣٣ هـ- ١٣٥٠/ ١٤٢٩ م) هو محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، أبو الخير، شمس الدين العمري الدمشقي، ثم الشيرازي الشافعي، شيخ الإقراء في زمانه، من حفاظ الحديث، ولد ونشأ في دمشق، وابتنى بها مدرسة سمّاها (دار القرآن)، ورحل إلى مصر مرارا، ودخل بلاد الروم، وسافر إلى شيراز، فولي قضاءها، ومات فيها.
من كتبه: (النشر في القراءات العشر)، و (غاية المجتهدين في طبقات القرّاء)، و (التمهيد في علم التجويد)، وغيرها كثير.


الصفحة التالية
Icon