فمثل هذه الروايات وغيرها- وهي كثيرة (١) - لا تعتبر قرآنا بحال، وإنما يوردها المفسرون على أساس أنها منهج الصحابي في التفسير، وقد أعرض عنها بالطبع أئمة الرواية.
ويرد هنا سؤال: أين يمكننا أن نقف على معارف هؤلاء الصحابة الكرام في القراءة؟ وهل ثمة مصنفات تركوها نثروا فيها معارفهم، نتلمس فيها اختياراتهم؟
والجواب أن ذلك يلتمس من طريقين:
أولا: ما دوّنه علماء التفسير والرسم من اختيارات هؤلاء الصحابة الكرام، حيث كانوا يوردون ما قرأ به الصحابة يستعينون به على التفسير، وإضاءة المعاني، ومن هذه المصنفات:
المصاحف لابن أبي داود السجستاني (٢)، والبحر المحيط لأبي حيان (٣)، وإملاء ما منّ به الرحمن للعكبري (٤)، وإعراب القرآن للنحاس (٥)، ومعاني القرآن للأخفش (٦)، ومعاني القرآن للفرّاء (٧)،

(١) أفرط في إيراد مثل هذه النقول الشاذة عن الصحابة كل من:
- أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني في كتاب المصاحف.
- ابن جني في كتابه المحتسب.
- أبو حيان في تفسيره البحر المحيط.
ثم قام الأستاذان الجليلان الدكتور أحمد مختار عمر، والدكتور عبد العال سالم مكرم، باستقصاء سائر هذه الروايات المتواترة والآحاد والشاذة والباطلة في موسوعة كبيرة تقع في تسع مجلدات أصدرتها (انتشارات أسوة) التابعة لمنظمة الحج والأوقاف والشئون الخيرية في طهران، بمساعدة لجنة دعم البحث العلمي لكلية الآداب بالكويت.
(٢) السجستاني: هو أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث، وسليمان بن الأشعث هو أبو داود السجستاني صاحب السّنن، وقد كتب محمد بن سليمان كتابه المشهور، المصاحف. (انظر الحاشية السابقة).
(٣) أبو حيان الغرناطي (٦٥٤ - ٧٤٠ هـ): ولد في غرناطة، وتوفي في القاهرة، وتعلم في الأندلس ومصر. لغوي من كبار العلماء، له كتب في بحث لغات العربية والتركية والفارسية والحبشية. من أشهر كتبه (البحر المحيط) في تفسير القرآن، و (منهج السالك على ألفية ابن مالك).
(٤) العكبري (٥٣٨ - ٦١٦ هـ): عبد الله بن الحسين. عرف بالنحوي الضرير، ولد وتوفي ببغداد، تعلّم على ابن الخشاب.
له (التبيان في إيضاح القرآن)، و (شرح ديوان المتنبي).
(٥) النحاس، أبو جعفر أحمد (ت ٣٣٨ هـ): لغوي، أديب، مفسّر، تعلم على الزجاج والأخفش والأصغر وابن الأنباري.
تعلم في القاهرة. جلس عند مقياس النيل يتلو الشعر فأخذه النهر في فيضانه. له مؤلفات في اللغة والآداب والتفسير.
(٦) الأخفش (ت ٣١٥): هو علي بن سليمان بن الفضل الأخفش الصغير البغدادي، أبو الحسن، نحوي، إخباري لغوي، سمع المبرد وثعلب بن يحيى وغيرهما، وتوفي ببغداد وقد قارب الثمانين، له من
التصانيف (الأنواء)، (التثنية والجمع)، (شرح كتاب سيبويه)، (الجراد)، و (تفسير معاني القرآن).
(٧) الفرّاء (١٤٤ - ٢٠٧ هـ): هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، أبو زكريا، إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو


الصفحة التالية
Icon