- وما أكثرهم- كان راوية للقرآن الكريم، وعن هؤلاء أخذ الأئمة فيما بعد، وسنأتي على بيان أسانيد الأئمة في الفصل المخصص لذلك في باب أسانيد القرّاء.
وقد أحصى ابن الجزري أسماء أئمة القراءة بين الأئمة العشرة والصحابة في كتابة المسمى: غاية النهاية في أسماء رجال القراءات أولي الرواية والدراية. ولكن هؤلاء الأئمة- على كثرتهم وتقدمهم في العلم- لم ينالوا شرف نسبة القراءة إليهم، وكان علينا أن ننتظر جيلا آخر أو جيلين اثنين، حتى نسعد بالأئمة العشرة الذين نسبت إليهم القراءات المتواترة.
وإنما نسبت القراءات المتواترة إلى هؤلاء الأئمة العشرة دون سواهم؛ لأن الحاجة لم تكن توافرت بعد للتمييز بين المتواتر وسواها، إذ مراجع الأمة متوافرون، والعهد قريب، فلما اختلط الصحيح بالسقيم جدّت الحاجة لوضع ضوابط (١) يمتاز بها المتواتر من غيره، وحين وضعت هذه الشروط لم نجد بالاستقراء من التزمها وضبط قراءته بها إلا هؤلاء الأئمة العشرة.
وأول من اشتغل بجمع القراءات هو الإمام أبو عبيد، القاسم بن سلّام (٢) (المتوفى عام ٢٢٢ هـ). ولكن جهده في جمع القراءات لم يكن مرتكزا على منهج اعتباري، وإنما كان يعنى بضبط ما يروى من القراءات، والاحتجاج لها، وقد جمع علمه في هذا الباب في كتابه القراءات.
وهكذا فإن أبا عبيد كان في الحقيقة معاصرا لأئمة القراءة الكبار، ولكنه لم يكن معنيّا بالاستقلال بحرف لنفسه؛ بقدر ما كان يعنى باستقصاء حروف الأئمة، لذلك فإنه لم يجر عمل الأولين على إدراجه في القرّاء العشرة رغم أنه لا يقلّ عنهم رتبة ومنزلة.
ومع أننا سنورد لك هنا أسماء أئمة الإقراء العشرة غير أنه يلزم أن نبين أن تسمية (القراءات السبع) لم تظهر إلا على يد ابن مجاهد (٣) مطلع القرن الرابع، وأما استكمال القراءات العشر؛ فلم يتم إلا على يد العلامة الجليل الشمس ابن الجزري (٤) (المتوفى عام ٨٣٣ هـ)، في مؤلّفه النّشر في

(١) انظر تفصيل هذه الضوابط في باب شروط القراءة المتواترة.
(٢) هو القاسم بن سلام (١٥٠ - ٢٢٢ هـ): أبو عبيد، محدث، حافظ، فقيه، مقرئ، عالم بعلوم القرآن، ولد بهراة، وأخذ عن أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وروى له الناس أكثر من عشرين كتابا في القرآن وعلومه، توفي بمكة.
(٣) ابن مجاهد: تأتي ترجمته في الفصل التالي.
(٤) ابن الجزري: شمس الدين، محمد بن محمد بن محمد العمري الدمشقي، ثم الشيرازي الشافعي، كنيته أبو الخير، مقرئ، مجود، محدث، حافظ، مؤرخ، مفسّر، فقيه، نحوي. من أهم علماء التجويد والقراءات في التاريخ


الصفحة التالية
Icon