ثم لما جمع عثمان الناس على المصحف الإمام أدرك الأصحاب ضرورة إتلاف مصاحفهم لما فيها من زيادات تفسيرية قد تصبح في أيدي من لا يميزون فيزيدون في كتاب الله ما ليس فيه. وهكذا فقد استغنى الأصحاب بالمصحف الإمام بعد أن اجتمعت كلمتهم على تجريد كتاب الله مما ليس فيه.
ويشير علماء القرآن إلى أن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود امتنع أولا من تسليم مصحفه؛ لما كان قد دوّن فيه من ملاحظات هامّة، إلا أنه عاد فيما بعد فالتزم رأي جماعة المسلمين.
قال الحاكم في المستدرك: جمع القرآن ثلاث مرات:
(إحداها): بحضرة النّبي صلّى الله عليه وسلّم ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال:
كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نؤلّف القرآن من الرّقاع.. الحديث. وقال البيهقي: يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
(الثانية): بحضرة أبي بكر. روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل ولا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتتبع القرآن فاجمعه. فو الله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التّوبة مع أبي خزيمة الأنصاري (١)، لم أجدها مع غيره لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ