- حتى خاتمة براءة- فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر (١).
(الثالثة): ترتيب السّور في زمن عثمان: روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرّهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنّه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، قال زيد: ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ بها، فالتمسناها، فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: ٣٣/ ٢٣]، فألحقناها في سورتها في المصحف (٢).
وقد أنكر القاضي أبو بكر بن الطيب هذا الحديث بالكلّية، فجزم بأنه مضطرب، بل قال: يشبه أن يكون موضوعا!.. مع أنه من رواية البخاري ومسلم.
وقد تصدّى القاضي أبو بكر بن العربي للرّد على ذلك في كتابه النفيس: أحكام القرآن، الجزء الثاني، ص ١٠٣٧.
(١) أوردنا هذه الرواية قبل قليل، وكررناها هنا لما فيها من فائدة تتعلق بمصير النسخة بعد أبي بكر.
(٢) نقلا عن السيوطي في الإتقان ١/ ٥٧.
وتجدر الإشارة هنا أن البخاري في الصحيح أخبر أن قصة خزيمة وردت مرتين: في جمع أبي بكر وفي جمع عثمان، مع أن المعقول هنا أنها في عهد أبي بكر، والله أعلم.