خلال الحديث والكلام. ولكن العكس غير صحيح في سائر الألسنة واللغات، ولسوف يبقى في لسان من نشأ على غير العربية، بقيّة من لكنة تحول بينه وبين إجادة نطق جميع حروف العربية وكلماتها وعبارتها... أو بين نطقها على نحو تام، أو سليم.
ويعود السبب في ذلك، على الأرجح، إلى الاستخدام الأمثل للمدرج الصوتي أو لجهاز النطق الإنساني في لغة العرب، والذي توزعت عليه حروف هذه اللغة على أتم صور التوزيع وأشملها وأدقها إذا ما قيست هذه الحروف بسائر اللغات، أو بحروف هذه اللغات وأبجدياتها! يقول الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد في معرض حديثه عن اللغة العربية بوصفها لغة شاعرة- أي لغة بنيت على نسق الشعر في أصوله الفنية والموسيقية- وبيان أن هذه «الخاصة في اللغة العربية ظاهرة من تركيب حروفها، على حدة، إلى تركيب مفرداتها، على حدة، إلى تركيب قواعدها وعباراتها، إلى تركيب أعاريضها وتفعيلاتها في بنية القصيد» يقول- رحمه الله-: «إن جهاز النطق الإنساني أداة موسيقية وافية لم تحسن استخدامها على أوفاها أمة من الأمم القديمة أو الحديثة كما استخدمتها الأمة العربية، لأنها انتفعت بجميع مخارجها الصوتية في تقسيم حروفها، ولم تهمل بعضها وتكرر بعضها الآخر بالتخفيف تارة، والتثقيل تارة، كما فعل المتكلّمون بسائر اللغات المعروفة، ومنها الهندية الجرمانية والساميّة والطورانية» (١).
ويقول العقاد: إن حروف الهجاء أو الأبجدية العربية ليست أوفر عددا من الأبجديات في هذه اللغات جميعها- أي اللغات الهندية الجرمانية، واللغات الطورانية، واللغات السامية- «فإن اللغة الروسية- مثلا- تبلغ عدة حروفها خمسة وثلاثين حرفا، وقد تزيد ببعض الحروف المستعارة من الأعلام الأجنبية عنها. ولكنها على هذه الزيادة في حروفها لا تبلغ مبلغ اللغة العربية في الوفاء بالمخارج الصوتية على تقسيماتها الموسيقية، لأن كثيرا من هذه الحروف الزائدة