ووقائع الإيمان الكثيرة من خلال سماع هذا القرآن... ثم الحديث عن معجزة القرآن، ومحلها من سائر معجزات النبيّ ﷺ... إلخ. ولكننا آثرنا هنا أن نعرض لطرف واحد من هذه الجوانب- وأكثرها مسلّم أو معروف- وهو الجانب التاريخي المباشر، وبالقدر الذي يصلح مدخلا وتمهيدا كاشفا للحديث عن الجانب الموضوعي الذي سنتولى الحديث عنه في الفصل القادم.
ونقدم هنا للحديث عن هذين الجانبين بملاحظتين هامتين:
الأولى: أن القرآن الكريم هو معجزة النبيّ ﷺ الكبرى أو الرئيسة، ودليله على النبوّة، وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى، وأن هذه المعجزة يقابلها في معجزات الأنبياء السابقين- أي في دليلهم على نبوّتهم- تلك الأمور الناقضة للعادة، والمخالفة للمألوف من سنن الكون والطبيعة. وعلى الرغم من أن المعجزة على هذا النحو ليست أمرا مناقضا للعقل، لأن التلازم الموجود في واقع الطبيعة بين الأسباب والنتائج، أو بين الأسباب والمسببات ليس تلازما عقليا كتلازم المقدمة والنتيجة في القضايا العقلية أو المنطقية أو الرياضية، وإنما هو تلازم المشاهدة والإحصاء، أي تلازم «التجربة» ليس غير! أقول: على الرغم من ذلك فإن من خصائص النبيّ ومن خصائص رسالته ﷺ أن الله سبحانه وتعالى هيأ له معجزة عقلية علمية بيانية يدركها الإنسان أو يزداد علما بآفاقها وميادينها بمقدار إمعانه في العقل والفهم، وبمقدار ما يقف عليه من قوانين الكون وسنن الطبيعة..
لا بمقدار ما يتم أمامه من تجاوز لهذه القوانين، أو تعطيل لتلك السنن!
إن هذا التعطيل- في معجزات الأنبياء السابقين- كعدم إحراق النار لسيدنا إبراهيم- عليه السلام-، أو قلب العصا حيّة لموسى- عليه السلام- على سبيل المثال، يحمل
الإشارة إلى أن الله تعالى الذي وضع هذه السنن في الطبيعة، هو الذي يقف عملها لنبيّ من الأنبياء.. ليدل الناس على أنه رسوله، وأنه صادق في دعواه التبليغ عن ربّه عزّ وجلّ.. مقدّر هذه السنن.. وواضع هذه القوانين! وغني