عن البيان أن نشير بهذه المناسبة إلى أن هذه السنن التي وضعت من أجل أن يتعامل معها الإنسان، ويسخر من خلالها الكون لمنفعته، من وجه، ويرى فيها- من وجه آخر- آية الحكمة والدلالة على الخلق والإبداع. لا يمكن لها أن تحكم على واضعها ومقدرها بطبيعة الحال! فالله تعالى وضعها للأنام، وحين يبطل عملها في موقف من المواقف فمن أجل مصلحة الأنام كذلك!
الملاحظة الثانية: أما الملاحظة الثانية فهي مبنية على هذه الملاحظة الأولى، ومنطلقة منها، وهي أن اختلاف الكلاميين والبلاغيين وسائر العلماء والدارسين على وجه العموم في تفسير الإعجاز، أو في تعيين الوجه الذي صار به القرآن معجزا حتى استحال على الثّقلين جميعا أن يأتوا بسورة مثله... لا ينفي وقوع الإعجاز وثبوته، أو يقلل من شأن القضية؛ بل على العكس من ذلك تماما لأنه يضعنا أمام الملاحظة السابقة، أو أمام ما نسميه عادة «البعد التاريخي للقرآن» فإذا كان القرآن يخاطب الناس أو يخاطب به الناس في جميع العصور؛ فمن الراجح أن جيلا من الأجيال، أو عصرا من العصور لا يستقل بتقديم نظرية أو رأي يفسر به إعجاز القرآن من كل وجه.. نقدم هذه الملاحظة الآن مع تسليمنا بأن الإعجاز الذي وقع به التحدّي إنما كان وجها بيانيا أو بلاغيا صرفا، كما سنوضح ذلك في الفصل التالي. ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن هذه الملاحظة هي التي ستفسر لنا أن شعورنا- مع بعدنا النسبي عن السليقة العربية- بحقيقة الإعجاز ونحن نقرأ القرآن أو نستمع إليه أكبر من أن تفسره، أو تتسع لتفسيره جميع النظريات والآراء التي قيلت في هذا الباب على أهمية بعضها البالغ في الأخذ بيدنا نحو تفهم المزيد من أسباب ذلك الإعجاز الضارب في التاريخ.. والخالد كذلك في المستقبل.
ونذكر بهذه المناسبة بأن أبا بكر الباقلاني صاحب الكتاب القيم في «إعجاز القرآن» - على ما في كتابه من جوانب قد نعرض لنقد بعضها فيما بعد- كان يخامره ذلك الشعور فيما يبدو، حين قدم في كتابه طائفة من أبلغ ما وصل إلينا من