كلام العرب، بما في ذلك بعض خطب النبيّ ﷺ نفسه، وخطب سيدنا على بن أبي طالب- كرّم الله وجهه-، وخطب أخرى لسائر أرباب الفصاحة والبيان في الجاهلية والإسلام.. ليضع بين يديك فيما يبدو- أي الباقلاني- الموقف العملي، أو الدرس التطبيقي الذي تحسه أنت وتعيشه- كما يقال- والذي يثبت لك انفصال كلام الله عن سائر أنواع الكلام بوجوه من البيان صار بها معجزا...
وإن قصّر بالكاتب علمه وقلمه عن إدراك هذه الوجوه، أو عن نقلها والتعبير عنها... هذا في كتاب الباقلاني جانب إيجابي فيما نقدر، نحب بهذه المناسبة أن ننوّه به ونلفت النظر إليه.
ثانيا- الإعجاز حقيقة تاريخية:
قال الجاحظ: «بعث الله محمدا ﷺ أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا، وأحكم ما كانت لغة، وأشد ما كانت عدّة، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته فدعاهم بالحجة، فلما قطع العذر وأزال الشبهة، وصار الذي يمنعهم من الإقرار: الهوى والحميّة دون الجهل والحيرة، حملهم على حظهم بالسيف، فنصب لهم الحرب ونصبوا له، وقتل من عليتهم وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم، وهو في ذلك يحتج بالقرآن، ويدعوهم صباحا ومساء إلى أن يعارضوه- إن كان كاذبا- بسورة واحدة أو بآيات يسيرة، فكلما ازداد تحديا لهم بها، وتقريعا لعجزهم عنها، تكشف عن نقصهم ما كان مستورا، وظهر منه ما كان خفيا!
فحين لم يجدوا حيلة ولا حجة قالوا له: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف، فلذلك يمكنك ما لا يمكننا، قال: فهاتوا مفتريات!! فلم يرم ذلك خطيب، ولا طمع فيه شاعر... ولو تكلّفه (أي لو استطاعه) لظهر ذلك، ولو ظهر لوجد من يستجيده ويحامي عليه ويكابر فيه، ويزعم أنه قد عارض وقابل وناقض.
فدل ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم واستقامة لغتهم، وسهولة